مدونة عالم الخيال لأدب الطفل

الاثنين، 29 أكتوبر 2018

قصة "سندس"



بقلم: دعاء عوض

سُنْدُسْ هِىَّ الشَجَرَةُ الصَغِيرَةُ التِّى زَرَعَتْهَا لمْيَاء فِى حَدِيقةِ مَنْزِلِهَا. اهْتَمَّتْ بِهَا كَثِيرًا وَكَانَتْ تَرْعَاهَا وَتُتَابِعُهَا وَهِى تَكْبَرُ يَوْمًا فيَوم، وَلكَنِّهَا كَانَتْ تَخْشَى عَليْهَا كَثِيرًا كُلمَا اقْتَرَبَ أحَدٌ مِنْ أصْدِقائِهَا أوْ جِيرَانِهَا، وَكَانَتْ دَائِمًا مَا تَأتِى بغِطاءٍ كَبَيرٍ مِنْ القُمَاشِ وَتُدَارى شَجَرَتَهَا عَن العُيون. حَتَّى جَاءَ فِى مَرَةٍ مِنَ المَرَاتِ أقاربُها مِنَ الريفِ فسَارَعَتْ بإحْضَار قِطْعَةِ القُمَاشِ الكَبيرةِ لِتَحْمِيهَا مِنَ العَبَثِ، وَكَانَتْ تَتَسَللُ صَبَاحًا لِتَسْقِى شَجَرَتَهَا أسْفلَ قِطْعَةِ القُمَاشِ وَإذا لاحَظهَا أحَدٌ مِنْهٌمْ تَتَظاهَرُ بِأنَّهَا تَسْقِى أرْضَ الحَدِيقةِ. وَمَكَثَ أقارِبُهَا فِيمَا يَقرَبُ الشَهْرُ حَتَّى مَلَّتْ لمْيَاء وَاشْتاقتْ لِرُؤْيَةِ الصَغِيرَةِ وعندما رَحَلُوا مُسَافِرينْ تَنَفسَتْ الصَعْدَاءَ وَفرِحَتْ كَثِيرًا وَرَاحَتْ تَجْرِى عَلىَ شَجَرَتِهَا، وَلكِنَّهَا صُعِقتْ لِمَا رَأتْهُ "مَا هَذا هَلْ هَذِهِ شَجَرَتِى لا أُصَدِق؟" لمْ تَجِدْ لمْيَاء الأوْرَاقَ الخَضْرَاءَ وَلا الوَرْدَ الأحْمَرَ، كُلَّهُ تَنَاثرَ فِى أرْضِ الحَدِيقةِ جَافًا وَبَدَتْ الشَجَرَةُ خَاويةً تَمَامًا. شَعُرَتْ لمْيَاء أنَّ مَا فَعَلتْهُ ذهَبَ هَبَاءً وَأخَذَتْ تَبْكِى الليَّالِى الطُوالْ وَتَمْكُثُ بجوَار شَجَرَتِهَا بِالسَاعَاتِ وَدُمُوعُهَا لمْ تَجِفْ بَعْدْ.
حَتَّى جَاءَ جَدُهَا ذاتَ مَرَةٍ وَوَجَدَهَا بَائِسَةً حَزِينَةً فَسَألهَا وَرَوَتْ لَهُ كُلَّ مَا حَدَثَ مَعَهَا. قالَ الجَدُ الحَكِيمُ:
يَّا صَغِيرَتِى لقدْ أفرَطْتِ فِى حُبِ شَجَرَتِك لدَرَجَةِ الجُنُونِ، وَعِنْدَمَا نُحِبُ شَيْئًا بقُوَةٍ وَنُكَبِّلهُ قدْ يَخْتَنِقُ  وَيَمُوتُ أوْ يَثورُ فيرحَلُ بَعِيدًا عنَّا وَفِى الحَالتَيْن خُسَارَةٌ كَبِيرَةٌ وَهَذا مَا حَدَثَ مَعَ شَجَرَتِكِ الصَغِيرَةِ، والتِّى أخْفيتيها عَنِ العُيُونِ حَتَّى مَاتَتْ قهْراً وَحُزْناً. وَنَسَيْتِ أنَّهَا كَائِنٌ حَىٌ يَحْتاجُ إلىَ الهَوَاءِ وَالمَاءِ وَالضَوْءِ. وَأعْلمُ جَيِّداً أنَّكِ لا تقصِدينَ مَا فعَلتِيهِ وَلكِنْ لا يُفيدُ البُكَاءُ عَلىَ اللبَنِ المَسْكُوبِ وَمَا فعَلَ اللهُ ذلِكَ إلا لِيُعَلِمَكِ، وَكُلُّ مَا عَليْكِ هُوَّ النُهُوضُ مِنْ جَدِيدٍ والتَّحَدِى القادِمُ فِى أنَّكِ تَسْتَطِعِينَ زِرَاعَةَ شَجَرَةٍ تُمَاثِلُ شَجَرَتِكِ الصَغِيرَةِ. فقدْ مَاتتْ شَجَرَتُك وَلكِّن مُؤكَّدْ أنَّ القدرَ سَيَمْنَحُكِ أفضَلَ مِنْهَا إذا مَا تَعَلمْتِ مِنْ أخْطائِك. فالحَياةُ لا تَتَوقَفُ والكَوْنُ يَسِيرُ تِبْعاً لِخُطُوَاتِنا.
كَانَتْ كَلِمَاتُ جَدِهَا كَبَلْسَمِ دَاوَىَ جُرُوحَ الصَغِيرَةِ لمْيَاء بَعْدَمَا أيْقنَتْ خَطأهَا وَقرَرَتْ زَرْعَ شَجَرَةٍ جَدِيدِةٍ تُوحِى بالفرْحَةِ وَالأمَلِ وَبَدَأتْ تَرْعَاهَا، وَلكِنَّهَا فِى هَذِهِ المَرَةِ لمْ تَحْجبَهَا عَن العُيُونِ وَأطلقَتْ سَرَاحَهَا.